حل كتاب تكنولوجيا المعلومات الصف الخامس الترم التانى 2023
إن العبودية ليست هي العبادة، كما صار يتوهم الناس اليوم؛ لأن العبادة وجه واحد من وجوهها، ومظهر من مظاهرها؛ أما هي فمحيطة بحقيقة العبد إجمالا وتفصيلا. والتحقق بالعبودية يقتضي التحقق بالفقر؛ وفقر العبد ليست له نهاية يتوقف عندها. والفقر هو الفقد؛ والفقد التام لا يملك معه العبد شيئا من نفسه، فأحرى من غيرها.
إن غنى العبد الوهمي الذي يكون معتقدا له حال غفلته، ينبغي أن يزول عنه قشرة قشرة، حتى يبقى مجردا كيوم ولدته أمه. وإن هذا التجرد لا تطيقه النفوس، إلا إن كان شوقها إلى الله كبيرا يطغى على ألم الفقد لديها. بل إن أهل العناية الخاصة من العباد، يلتذون بالفقد كما يلتذ غيرهم بالتملك. فلا يتوهمن قاصر الهمة أن كل الناس شبه له، ويبقى مع وهمه بعيدا عن طلب المعالي.
لقد رأينا من أهل نسبة الطريق أقواما، هم أقرب إلى الوثنية منهم إلى الإسلام؛ وهم يظنون أنهم على خير. رأينا تعلق قلوبهم بالحظوظ، كتعلق الرُّضع بأمهاتهم. يجعلون عبادة الله وذكره وسيلة إلى حظوظهم، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35]؛ فالله هو الغاية، لا سواه سبحانه!
تجد أحدهم وقت إقباله على الطريق، يسأل عمَّ سيحصله مع هذا الشيخ أو ذاك من كرامات أو مقامات... وكأن الشيوخ جُعلوا ليعلموا الناس عبادة الأصنام! وإذا كلمتهم عن الله، تجد منهم فتورا وزهدا عَجَبا. مَثَلُهم كمن قال الله فيهم: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر: 45]. هؤلاء لا يصلحون للطريق، ولا ينبغي لهم أن يُخالطوا أهله؛ لولا أن لله حكما في تمحيص المؤمنين بهم. فهم إن انتسبوا إلى الطريق، يكونون من أدواتها لا من أهلها.
أما أهل العبودية، فطريقهم أوله ذل وآخره محو؛ لا حق لهم في شيء ولا حظ. غرباء في المؤمنين، كما هم المؤمنون غرباء في الناس. فإذا مُحيت آثارهم، وانتفى مع غير الله قرارهم، تولاهم الله بما يتولى الصالحين من عباده؛ فكان لهم عوضا عما فقدوه من أجله سبحانه. فصاروا أغنياء بالله في افتقارهم إليه نفسه. جاء في الحديث: « لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ»[متفق عليه]؛ وغنى النفس لا يكون إلا بالله! فافهم!
إن كل من يزعم في زماننا أنه يربِّي غيره، أو يتربى لدى غيره، ولا يكون توجهه وعمله وفق ما ذكرنا، فما هو إلا مغبون، اتخذه الشيطان ضُحكة يتسلى به في جملة الخاسرين. ولا تنفع مع الخسران دعوى الخصوصية، أو دعوى الوصول؛ ومن تخفَّى في الدنيا بين الناس، فستظهر حقيقته يوم العرض أمام العموم عن قريب.
{وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب: 4].
تعليقات
إرسال تعليق